البياجيون الجدد
لقد كان لعلم النفس ألمعلوماتي تأثيرعميق في حركة البياجيين الجدد. ولبيان ذلك سنحاول فيما يلي التعريف بأفكار اثنين من كبار ممثلي هذه الحركة، وهما روبي كيس Robbie Case، وكورت فيشر Kurt Fischer.وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدارسين قاموا بجمع ومناقشة أعمال العديد من الباحثين الذين ينتمون إلى هذا التيار الفكري في مؤلفات باتت مشهورة(Kessen, 1984 ; Demetriou. 1988).
2-1- نموذج روبي كيس
أعلن روبي كيس Case بعبارة صريحة انتماءه إلى حركة البياجيين الجدد، وذلك حين قال إن أحسن وصف يمكن أن يوصف به موقفه من مسألة النمو كما طرحها بياجي هو أنه موقف « بياجي جديد»Piagetian-Neo. وبرر ذلك بقوله(Case, 1984 , p. 20):
 » إنني أعتقد مثل بياجي أن أحسن وصف يمكن أن توصف به آليات التفكير لدى الأطفال في مختلف المراحل النمائية هو أنها سلسلة من البنيات الذهنية تكون فيها كل بنية أكثر تطورا من سابقاتها. وكذلك أعتقد مثل بياجي أن شكل هذه البنيات ودرجة تعقيدها في أية مرحلة من مراحل العمر تظل ثابتة مهما تنوعت مضامين الحقول المعرفية (شريطة أن تتوفر للأطفال الظروف المناسبة للتعلم). ومع ذلك فإنني أعتقد، على خلاف ما ذهب إليه بياجي، أن البنيات الذهنية للأطفال يمكن التفكير فيها أحسن بواسطة المفاهيم التي تبلورت في حقل معالجة المعلومات والذكاء الاصطناعي كبديل للمفاهيم التي تبلورت في حقل المنطق الرمزي. ولابد أن يؤدي الاختلاف في طريقة وضع المفاهيم التي تصف البنيات الذهنية للأطفال إلى الاختلاف في طريقة بناء المفاهيم التي تصف عملية الانتقال من مرحلة نمائية إلى أخرى «        
وتعتبر نقط الاتفاق والاختلاف هذه هي السمات المشتركة المميزة للمفكرين البياجيين الجدد، إن ما يجمع بين هؤلاء الباحثين هو سعيهم إلى تصحيح نظرية بياجي في ضوء الإنجازات التي تحققت في ميدان علم النفس المعلوماتي، وإثرائها بالمفاهيم التي تبلورت في هذا المجال.
أخذ كيس Case بعض المفاهيم الأساسية التي تبلورت في حقل علم النفس المعلوماتي ووظفها لتأسيس نظرية تقترح تفسيرا جديدا للنمو كبديل للتفسير الذي قدمه بياجي. تركز هذه النظرية على مصادرة مفادها أن النمو المعرفي يتحقق على مستوى الاستراتيجيات أو ما يسميه «بنية التحكم في الأداء»executive control structure. هذا هو المفهوم المركزي في نظريته، وعرفه بأنه«خطة ذهنية لحل صنف من أصناف المشكلات»(Case, 1984 , p. 21). تنمو هذه البنية مع مرور الزمن، ويدل مفهوم النمو هنا على ازدياد درجة تعقيد البنية. فكلما ازدادت درجة تعقيدها انتقل الفرد إلى مرحلة جديدة من مراحل النمو. لا يحصل الانتقال، إذا نظرنا إليه في ضوء هذه النظرية، من خلال تجاوز بنية المرحلة السابقة، ولكن من خلال دمجها في البنية الجديدة وفقا لمبدأ التراتب. وهكذا، فإن المبدأ المتحكم في النمو المعرفي حسب نظرية كيس هو مبدأ الاندماج المتراتب لبنيات التحكم في الأداء hierarchical integration.كيف يتحقق ذلك في الواقع ؟
يرى روبي كيس أن جميع بنيات التحكم في الأداء تقوم على أساس تصور معين لظروف المشكلة التي تواجه الفرد.فعندما يجد الفرد نفسه أمام مشكلة ما، ثم يفكر في وضع الخطة المناسبة لحلها، فإن ما يحدد الخطة التي يضعها هو تصوره للظروف المناسبة لتطبيقها من جهة،وتصورهللوضعية المرغوب فيها التي تستهدفها الخطة من جهة أخرى. ويشترط أن يكون للفرد بالإضافة إلى ذلك تصور واضح عن الاستراتيجية التي ستوجه نشاطه عبر سلسلة من الإجراءات نحو تحقيق أهدافه. يمكن القول بعبارة أخرى إن ما يحدد بنيات التحكم في الأداء هي تصورات الفرد للوضعية التي تواجهه،  وللوضعيةالتي يرغب فيها، وللإجراءات التي تنقله من الوضعية الأولى إلى الوضعية الثانية. هذه هي الخصائص المشتركة بين جميع نظم التحكم في الأداء. وعلى الرغم من أن لهذه النظم بنية شكلية متماثلة فإنها لا تمكن الفرد من معالجة جميع أنواع المهام وحل جميع المشكلات. والدليل على ذلك هو أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع وخمس سنوات يمرون بنفس المراحل عندما يعالجون مشكلة حسابيةيتطلب حلها توفر القدرة على التعامل مع الأعداد أو مشكلة يحتاج حلها إلى توفر القدرة على التعامل مع الأوزان، أو مشكلة تستلزم توفر القدرة علىتمييز نوع آخر من الكميات. ولكن هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة في حل مشكلة مركبة تجمع بين بعدين مختلفين كالعددوالوزن، وذلك على الرغم من أن بنية التحكم في أداء المهمة المتعلقة بمعالجة الأعداد لا تختلف من حيث بنيتها الشكلية عن بنية التحكم في أداء المهمة المتعلقة بمعالجة الأوزان.
ويحصل الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل النمو في حوالي السنة السادسة من العمر عندما يصبح الطفل قادرا على حل المشكلة المركبة من خلال دمج بنية التحكم في معالجة البعد المتعلق بالعدد ببنية التحكم في البعد المتعلق بالوزن على نحو متراتب، حيث يستعمل الهدف المتعلق ببنية التحكم في العدد من أجل حل مشكلة الوزن. هذا مع العلم أن الطفل البالغ من العمر أربع سنوات يمتلك القدرة على استخدام البنيتين معا، ولكنه يستخدم كل واحدة منهما على حدة لحل مشكلة بسيطة، ولا يستطيعالجمع بينهما لحل مشكلة معقدة. يتفق كيس Case مع بياجي وغيره من الباحثين في مجال علم النفس النمائي على أن الانتقال من المرحلة التي تنطلق من السنة الرابعة إلى المرحلة التي تنطلق من السنة السادسة من العمر يمثل التحول الرئيسي في البنية المعرفية بالمقارنة مع تحولات المراحل اللاحقة. ففي حوالي السنة السادسة من العمر تظهر الوظيفة المنطقية لدى الطفل حسبنظرية بياجي، وفي هذه اللحظة نفسها يظهر التفكير البعدي dimentional thought حسبنظرية كيس. وأما نمط التفكير الذي يميز المرحلة التي تمتد من السنة الرابعة إلى السنة الخامسة من العمر فيصفه كيس بأنه تفكير علائقي relational thought. ويحصل الانتقال إلى نمط التفكير البعدي عندما يصبح الطفل قادرا على التنسيق بين بنيات التحكم في الأداء المتوفرة لديه، وتنظيمها بشكل متراتب من أجل الإحاطة بمختلف أبعاد المشكلة.
وتحدث تحولات أخرى في الثامنة والعاشرة من العمر. ولكن هذه التحولات لا تضيف شيئا جديدا إلى البنية المتراتبة التي تشكلت في السنة السادسة، ولا تؤدي إلى ظهور نمط جديد من التفكير. يقول كيس بهذا الصدد:«إن التغير الذي يلحق طريقة اشتغال بنية التحكم في الأداء بعد سن السادسة ليس تغيرا نوعيا كبيرا،إن ما يحدث بعد هذه السن هو عبارة عن سلسلة من التغيرات النوعية الطفيفة. وتعتبر هذه التغيرات في الواقع امتدادا للتغير الذي حصل بين السنة الرابعة والسنة السادسة من العمر، والذي يتعاظم ويتسع مداه تدريجيا »(Case, 1984. p. 26). هكذا يتحقق النمو في جميع مراحل العمر. حيث يتم دمج البنيات السابقة بعضها ببعض بطريقة متراتبة، ويتولد عن ذلك نمط جديد من التفكير. ثم تتبلور البنية الجديدة بشكل تصاعدي عبر سلسلة من المراحل، ويتسع مداها أكثر في كل مرحلة جديدة، وتزداد قدرة الفرد على الإحاطة أكثر فأكثر بمختلف جوانب المشكلات التي تواجهه، ويأخذ بعين الاعتبار في كل مرة عددا أكبر من المتغيرات إلى أن تحصل قفزة نوعية أخرى في سلم النمو المعرفي. هذا هو المبدأ العام الذي يتحكم في عملية النمو.(Case, 1985 , 1992)
تمتد المرحلة الحسية-الحركية في نموذج كيس من صرخة الميلاد إلى الشهر الثامن عشر، تليها مرحلة التفكير العلائقي وتمتد إلى السنة الخامسة. وابتداء من السنة السادسة يظهر نمط التفكير البعدي ويستمر في النمو إلى أن يبلغ ذروته في السنة الحادية عشرة، حيث تبدأ مرحلة التفكير الشكلي أو المجردوالتي يستغرق نموها سنوات عديدة(Case, 1985). وفي كل مرحلة جديدة تزداد درجة تعقد بنية التحكم في الأداء، وتحصل الطفرة عندما يصبح الطفل قادرا على دمج البنيات المكتسبة بعضها  ببعض على نحومتراتب. ولكن، كيف يتسنى له ذلك ؟ ما هي العمليات التي تقف خلف القدرة على دمج البنيات ؟
يميز كيس بين نوعين من العمليات:» العمليات أو القدرات التي يأتي الكائن الإنساني وهو مجهز بها منذ الولادة«، »والقدرات التي لا يأتي الكائن الإنساني وهو مجهز بها منذ الولادة « (Case. 1984 . p. 27). ويرى أن النوع الأول من القدرات يظل ثابتا على الدوام يلعب دور اللامتغير الوظيفي functional invariant الذي تحدث عنه بياجي والذي تمثله عمليات الاستيعاب والتوافق والموازنة في نظريته. ويعتبر اللامتغيرالوظيفي العامل الأساسي الذي يتحكم في عملية  دمج البنيات، ويشمل،حسب كيس، القدرات التالية :
§         القدرة على وضع الأهداف؛
§         القدرة على استخدام الخطاطات schemes أو الخطط الذهنية المتوفرة وفقا لتسلسل جديد من أجل تحقيق الأهداف المرسومة؛
§         القدرة على تقييم نتائج الخطة في تسلسلها الجديد في ضوء الوضعية الراهنة والأهداف المسطرة؛
§         القدرة على هيكلة وتعميم الخطة الناجعة على التجارب المستقبلية وبشكل مقصود؛
§         القدرة على تذكر هذه البنيات (الخطط) التي تم صقلها بواسطة الممارسة المتكررة في المستقبل، ودعمها وهيكلتها باستمرار إلى أن تصبح جزءا من البنيات المتحكمة في الأداء.
تذكرنا هذه القدرات الفطرية،» التي يأتي الكائن الإنساني وهو مجهز بها منذ الولادة«بما قاله لوريا Luria وداس Das وكيربي Kirby عن التخطيط باعتباره وظيفة من وظائف الدماغ. ولكن كيس أضاف إليها قدرات أخرى تتميز بكونها عامة وفطرية إلى حد ما وهي:القدرة على حل المشكلات، والاستكشاف exploration، والتقليد imitationوالتفاعل المتبادل mutual regulation الذي يتجلى من خلال بعض السلوكات كالبسمة المتبادلة مثلا: تبتسم الأم لرضيعها فيبتسم لهابدوره. تظهر هذه القدرات في «سن مبكرة جدا»، خلال الشهر الأول أو الثاني بعد الولادة،ولكننالا نعرف على وجه الدقة ما إذا كانت فطرية أو مكتسبة، والحال أنه أدرجها في صنف العمليات التي يأتي الفرد مجهزا بها منذ الولادة. وبرى كيس أن هذه القدرات الأربع ضرورية لتشغيل العمليات السابقة الذكر وللتحكم فيها، وهي التي تؤدي إلى دمج البنيات المتوفرة لدى الطفل بشكل متراتب، وتدفعه إلى الارتقاء في سلم النمو من خلال إنتاج ببنيات جديدة أكثر تعقيدا وأكثر فعالية. يعتقد كيس أن عملية الدمج تتحقق بشكل تلقائي وبطريقة أوتوماتيكية، ولا يكون للراشدين أي دخل في ذلك. وهذا رأي لا يتفق معه العديد من الباحثين. وسوف نعود إلى مناقشة هذه المسألة في مناسبة لاحقة.
وفيما يتعلق بالقدرات التي لا يأتي الفرد وهو مجهزا بها منذ الولادة،فإن أكثرها أهمية في نظر كيس هي الذاكرة القريبة المدى أو النشيطة. يميز كيس في الذاكرة القريبة المدى بين الحيز الذي تشغله عملية معالجة المعلومات operating spaceوالحيز المخصص لمخزون الذاكرة القريبة Short Term Storage Space. وتجدر الإشارةهنا إلى أنكيس يستخدمكلمة»حيز« بالمعنى المجازي للدلالة على مدى قدرة الفرد على الانتباه، ويفترض وجود علاقة بين الحيز الذي يشغله مخزون الذاكرة القريبة المدى وبين عملية دمج البنيات، ومعنى ذلك أن نمو الذاكرة القريبة المدى يتيح للفرد إمكانية دمج البنيات بعضها ببعض والانتقال، بالتالي، من مرحلة إلى أخرى. ويطرح كيس، بالإضافة إلى ذلك، فرضية أخرى مفادها أن الطاقة الاستيعابية العامة للذاكرة النشيطة محدودة، ولا فرق في ذلك بين الطفل والراشد. لا توجد فروق، إذن، بين الراشدين والأطفال فيما يتعلق بمدى اتساع حيز الذاكرة القريبة المدى. ومع ذلكيفترض كيس وجود علاقة بينعامل السن ومدى اتساع الحيز الذي يشغله مخزون الذاكرة القريبة المدى. وهكذا، فكلما تقدم الفرد في السن إلا واتسع الحيز المخصص لذلك المخزون في نظره.
وانطلاقا من هذه الفروض، التي أكدتها نتائج البحوث التجريبية والميدانية التي قام بها كيس ومجموعته، يمكنأن نستنبط كل الوقائع والاحتمالات الممكنة. يمكن أن نفهم مثلا لماذا لا يستطيع طفل في الرابعة أو الخامسة من العمر توظيف المعارف المكتسبة لحل المشكلاتالحسابيةوالمشكلاتالمتعلقة بالوزن لمعالجة مهمة مركبة تشمل البعدين معا (العدد والوزن). ذلك لأن معالجة المهام المركبة يتطلب القيام بعمليتين مختلفتين في آن واحد، حيث يتعين على الطفل أن يحتفظ في ذاكرته بأهداف الخطة المتصلة ببنية التحكم في أداء المهمة المتعلقة بالوزن، وأن يقوم في نفس الوقت بتنفيذ خطته لحل المشكلة الحسابية كخطوة ضرورية، وأن يحتفظ بنتائجها لتنفيذ الخطةالمتعلقة بحل مشكلة الوزن. ولكن ذاكرته النشيطة لا تتحمل هذا العبء كله،ذلك لأن انتباهه ينصبعلى عملية معالجة المعلومات فيتسع الحيز الذي تحتله هذه العملية على حساب حيز المخزون. ولا يكون باستطاعته أن يدمج البنيتينمع بعضهما إلا بعد أن يتمكن من تقليص الحيز الذي تحتله عملية معالجة المعلومات، ثم يخصص الحيز المحررللمخزون. وهكذا، فإن نمو الذاكرة القريبة المدى لا يعني الزيادة في حيزها العام، بل يدل فقطعلىاتساع الحيز المخصص للمخزون على حساب الحيز الذي تشغله عملية معالجة المعلومات. وعندما يتسع حيز المخزون لاحتواء بنيتين مندمجتين تحصل الطفرة في النمو (Case. 1984). ولكن، ما هي العوامل التي تتيح الفرصة لاتساع حيز المخزون في الذاكرة القريبة المدى ؟
عندما تستحوذ عملية معالجة المعلومات على انتباه الفرد تضعف القدرة على الانتباه إلى ما يجب حفظه وتخزينه في الذاكرة. يحصل ذلك عندما يكون الفرد حديث عهد بالمهمة التي يتعين عليه إنجازها،مثله في ذلك مثل سائق سيارة مبتدئ، يركز انتباهه على عملية معينةولا ينتبه إلى ما يجري حوله من الأمور التي قد تشكل خطرا عليه، ويجد صعوبة في التحدث إلى من يرافقه، ويصاب بالإرهاق والإعياء بسرعة. ومع مرور الوقت يكتسب الخبرة والمهارة، ويتمكن من أداء العديد من العمليات بطريقة آلية في آن واحد، فيتحرر انتباهه ويتجه إلى أمور أخرى. وهذا ما يحدث للطفل، فمع كثرة الممارسة يكتسب القدرة على أداء العمليات المعرفية بمزيد من الكفاية والفعالية. وتؤدي القدرة على تحقيق تلك العمليات، أو ما يسميه كيسبالكفاية الإجرائية operational efficiency، إلى تحرير نسبة مهمة من الحيز الذي تشغله عملية معالجة المعلومات، ويصبح الحيز المحرر في متناول مخزون الذاكرة القريبة المدى.
ويرى كيسأنالممارسة وحدها غير كافية للارتقاء بالكفاية إلى المستوى الذي يحصل معه ذلك التحول،وافترض وجود عوامل أخرى ذات صلة وثيقة بمستوى النضج البيولوجي،يتعلق الأمر بتشكل ونمو غمد النخاعينmyelinization، وهو المادة التيتحيط بالألياف العصبية. ويعتبر تشكل غمد النخاعين مرحلة بالغة الأهمية في نمو الجهاز العصبي، ويأخذ نموه شكل موجات متتالية، تظهر كل موجة فيمرحلة من مراحل العمر. يساعد تنامي هذه المادة على ازدياد سرعة انتقال السيالة العصبية. يفترض كيس وجود علاقة بين نمو غمد النخاعين وازدياد القدرة على أداء العمليات المعرفية.وما يدل على ذلك في نظره هو وجود نوع من التطابق بين مراحل تشكل غمد النخاعين ومراحل النمو العقلي. وربما كان نمو هذه المادة العصبية هو المسئول عن بروز وتنامي القدرة على التفكير الشكلي المجرد لدى كل من المراهقين والراشدينعلى حد سواءCase. 1984b)).
يتفق روبي كيس مع رأي بياجي الذي يقول إن قدرات الأطفال محدودة. وإذا كان بياجي يعتقد أننزعة التمركز حول الذات هي العامل الأساسيالمسئولعن ضعف القدرة على معالجة المعلومات لدى الأطفال، فإن كيسيفسر هذه الظاهرة بعوامل لها علاقة بالإكراهات المرتبطة بالذاكرة القريبة المدىالتي لا تتسع لاستيعاب بنيات التحكم المندمجة التي تمكن من معالجة المهام المعقدة. يتعلق الأمر هنا بالنقص في الحيز المخصص لمخزون الذاكرة النشيطة. ومن آثار هذا العجز ضعف القدرة على التعلم في مراحل النمو الأولى. وتقف العوامل المتصلة بنمو الجهاز العصبي خلف النقص الملاحظ في حيز الذاكرة القريبة المدى. تؤثر هذه العوامل في تنامي الذاكرة القريبة المدى وتحدد وتيرة نموها. يلتقي روبي كيس في هذه النقطة بالذات مع صاحب نظرية «الابستملوجيا البيولوجية»،. ويعتقد مثله أن النمو يسير في اتجاه خطي تصاعدي.. ومع ذلك يلحكيس على أهمية الدور الذي تلعبه التجربة والخبرة المكتسبة وعوامل المحيط في نمو الذاكرة القريبة المدى، إلا أنه يجعل تأثير هذه العوامل مشروطا بمستوى النضج. ويعتقد كذلكأن النمو يحصل بطريقة تلقائية، وهو ما يترتب عنه القول إن عملية التعلم لا تتحقق إلافي حالارتكازها على مبدأ التوجيه الذاتي، ولذلك يستبعد كيس أن يكون للراشدين أي دور في تنامي القدرة على التعلم. وربما جاء هذا الموقف كنتيجة منطقية للمغالاة في تقدير أهمية الدور الذي يلعبه عامل النضج. ومع انه أشار إلى أهمية الممارسة والمعارف المكتسبة والخبرة،إلا أنه غض الطرف عن الإكراهاتالمحتملة التي تخضع لها، كما أنه تحاشى الحديث عن الحدود التي ترسمها لها طبيعة التفاعل مع الغير. فقد يكون للدعموالتدخل الإرشادي الذي يتلقاه الطفل من الكبار دور مهم في تنظيم المعارف المكتسبة باعتباره الشرط الضروري لقيام الخبرة.
 

0 commentaires

إرسال تعليق